مع إعلان الحكومة الجديدة عن خطة استبدال العملة وحذف صفرين من الليرة الحالية، كثر الحديث والتحليل. الجميع يسأل بجدية: هل هذا يعني أننا سنعود للزمن الجميل؟ أم أن مدخراتنا في خطر؟ وهل سيصبح الراتب بلا قيمة رقمياً؟
في هذا المقال، سنجيب عن كل ما يدور في ذهنك لنفهم معاً كيف ستتغير العملة السورية الجديدة وتتحول الـ 5000 ليرة التي بجيبك إلى شكلها الجديد، وما تأثير ذلك على حياتك اليومية.
ما هي مشكلة التضخم والعملة في سوريا اليوم؟

المشكلة باختصار هي تآكل القيمة مقابل تضخم الأرقام. اليوم، لشراء أبسط الحاجيات (مثل وجبة طعام)، تحتاج لحمل رزم كبيرة من الورق النقدي.
هذه الخطوة تأتي بعد عقود من التدهور الاقتصادي القاسي، حيث خسرت الليرة أكثر من 99% من قيمتها منذ 2011، وتراجع سعر الصرف من 50 ليرة للدولار إلى حدود 12,000 ليرة.
العملة فقدت وظيفتها كمخزن للقيمة وأصبحت عبئاً في الحمل والعد والحسابات البنكية، وهذا التضخم جعل الأرقام فلكية دون قيمة شرائية حقيقية.
ما الذي سيحدث للعملة السورية بالضبط؟

عملية حذف صفرين من الليرة السورية هي عملية تقنية بحتة تسمى إعادة تقييم العملة، تهدف لتصغير الأرقام لتسهيل التعامل، دون تغيير في القيمة الحقيقية للمال لحظة التبديل.
لفهم الفكرة بشكل أسهل كيف ستتغير الليرة السورية، تخيل أننا نقيس المسافة بين دمشق وحلب بالمتر، الرقم سيكون ضخماً جداً ومربكاً. فجأة قررنا القياس بالكيلومتر:
- هل قصرت المسافة الحقيقية؟ لا!
- هل تغير الرقم المكتوب؟ نعم، أصبح أصغر وأسهل للقراءة!
الحكومة السورية ستقوم بقسمة كل شيء (عملة، أسعار، رواتب) على 100.
هذا ما يفترض أن يحدث إذا تم الالتزام والرقابة، لكن أي انحراف في التسعير يغيّر النتيجة فعلياً.
ما الفرق بين تغيير العملة وإصلاح الاقتصاد؟
يجب ألا نخلط بين الأمرين:
-
حذف الأصفار (تغيير العملة): هو مثل دهان واجهة المنزل، يجعل الشكل جميلاً، يسهل الحسابات، ويعطي راحة نفسية.
-
إصلاح الاقتصاد: هو ترميم أساسات المنزل. العملة الجديدة لن تجعلنا أغنياء ولن تخفض الأسعار (حقيقياً) إلا إذا زاد الإنتاج، عادت المصانع، وتحسن التصدير. بدون إنتاج ستعود الأصفار للتراكم من جديد على العملة الجديدة.
كيف ستتغير الليرة السورية التي بجيبك؟

كل ورقة نقدية تملكها حالياً، احذف منها آخر صفرين لتتخيل قيمتها الجديدة.
إليك جدول التحويل بناءً على الفئات المتداولة حالياً في سوريا:
-
ورقة 500 ليرة (القديمة) ⇐ تُستبدل بـ 5 ليرات (جديدة).
-
ورقة 1000 ليرة ⇐ تُستبدل بـ 10 ليرات.
-
ورقة 2000 ليرة ⇐ تُستبدل بـ 20 ليرة.
-
ورقة 5000 ليرة ⇐ تُستبدل بـ 50 ليرة.
عملياً، إذا كان لديك في المنزل مليون ليرة سورية، ستذهب للبنك وتستبدلها بـ 10 آلاف ليرة من العملة الجديدة. الرقم صغر، لكنه يشتري نفس الأشياء.
بحسب ما أُعلن، أصغر الفئات الورقية ستكون 5 ليرات، وقد لا تُستخدم كسور أصغر على نطاق واسع في البداية، لكن التفاصيل الدقيقة للفئات النقدية المعدنية/الكسور رهن بالتصميم النهائي الذي يعلنه المصرف.
أمثلة عملية: كيف تتغير الأسعار قبل وبعد؟
حتى تطمئن بأن القوة الشرائية لليرة السورية لا تتغير، إليك هذه المقارنة لأسعار افتراضية:
| السلعة | السعر الحالي (القديم) | السعر الجديد | الملاحظة |
| ربطة خبز | 9,000 ليرة | 90 ليرة | نفس القيمة تماماً |
| أجرة النقل | 2,000 ليرة | 20 ليرة | تدفع ورقة واحدة بنفس القيمة |
| الراتب | 500,000 ليرة | 5,000 ليرة | يشتري نفس كمية الأغراض |
| سندويشة | 15,000 ليرة | 150 ليرة | أسهل في الدفع |
أين ومتى يمكنني استبدال نقودي القديمة؟

لا داعي للقلق أو الذعر، العملية منظمة كالتالي:
- موعد استبدال العملة السورية: 1 يناير 2026.
- فترة السماح لتبديل الليرة السورية: ستستمر لمدة 90 يوماً (قابلة للتمديد) يتم خلالها تداول العملتين جنباً إلى جنب.
- أماكن تبديل الليرة السورية: خصصت الحكومة 66 شركة صرافة معتمدة وأكثر من 1,000 منفذ توزيع في مختلف المناطق.
- التكلفة: عملية الاستبدال مجانية بالكامل ولا يوجد أي رسوم أو ضرائب على تبديل الكاش.
هل ستخسر جزءاً من أموالك أو مدخراتك؟
لا، لن تخسر أي شيء من القوة الشرائية لليرة السورية. ما ستخسره هو فقط وهم الأرقام الكبيرة.
الخوف الطبيعي عند الناس هو: أملك مليون، ثم أصبحو عشرة آلاف، لقد خسرت!.
الحقيقة هي أن المليون ليرة اليوم تشتري (مثلاً) 50 وجبة غداء، والعشرة آلاف ليرة (الجديدة) ستشتري نفس الـ 50 وجبة غداء تماماً.
القيمة مخزنة في ما يمكن للمال شراؤه وليست في عدد الأصفار المطبوعة على الورقة.
ماذا عن الديون القديمة؟
الديون القديمة تسري عليها نفس القاعدة أيضاً:
- مثال: إن كنت مستديناً مبلغ مليون ليرة من صديق قبل القرار.
- لا يمكنك أن تعيد له مليون ليرة جديدة (لأن قيمتها ستكون فلكية)، لذا ستعيد له 10 آلاف ليرة جديدة. الدين يتم تحويله أيضاً للحفاظ على العدالة.
لماذا تقوم الحكومة بهذه الخطوة إذاً؟
لتسهيل الحياة اليومية، تخفيف العبء المحاسبي، وإعطاء صدمة ثقة إيجابية للاقتصاد، فالأرقام الحالية أصبحت عبئاً لا يُطاق.
هناك فوائد عملية لا يمكن إنكارها:
- سهولة الحمل: بدلاً من حمل رزم من النقود لشراء احتياجات بسيطة ستعود للمحفظة الصغيرة.
- الأنظمة المحاسبية: كثرة الأصفار تسبب مشاكل تقنية في البنوك، الكاشيرات، وأنظمة الرواتب.
- عامل نفسي هام: التعامل بأرقام صغيرة يعطي شعوراً بانتهاء حقبة التضخم المفرط، ويمهد الطريق لاستقرار نفسي في السوق.
هل هناك مخاطر لهذه العملية؟
نعم، الخطر لا يكمن في العملة نفسها، بل في فوضى التسعير التي قد تحدث في الأيام الأولى، وفيما يسمى جبر الكسور.
- جبر الكسور: قد يقوم بعض التجار برفع الأسعار قليلاً بحجة عدم وجود فكة. مثلاً سلعة كانت بـ 750 ليرة (تصبح 7.5 ليرة)، قد يبيعها التاجر بـ 10 ليرات لسهولة الحساب، مما يرفع الأسعار بشكل خفي. هنا يأتي دور الرقابة الصارمة.
- الأسعار: رغم أن القيمة الحقيقية لا تتغير، إلا أن هناك مخاوف من فوضى سعرية مؤقتة أو احتكار التجار للبضائع في فترة الانتقال.
- الارتباك والذعر: بسبب ضعف الثقة في القطاع المصرفي سابقاً، قد يندفع الناس لشراء الدولار أو الذهب، مما قد يرفع سعر الصرف مؤقتاً.
كيف تحمي نفسك من الاحتيال في فترة التبديل؟
فترة الانتقال هي موسم ذهبي للمحتالين، لذا اتبع هذه النصائح:
-
المكان الرسمي فقط: لا تستبدل أموالك القديمة بالجديدة إلا في البنوك الرسمية أو مراكز التبديل المعتمدة من الحكومة. تجنب سماسرة الشوارع.
-
انتبه لجبر الكسور: راقب التجار، إذا كانت سلعة بـ 750 ليرة (تصبح 7.5)، قد يبيعها التاجر بـ 10 ليرات لعدم وجود فكة، وهذا يرفع الأسعار خفية.
-
تعلم شكل العملة: فور صدور صور العملة الجديدة، احفظ العلامات الأمنية جيداً لتتجنب العملات المزورة التي قد تنتشر في فوضى البداية.
تجارب دول أخرى: بين النجاح والفشل
العالم مليء بالدروس، والنتائج تعتمد على الخطة:
-
النموذج الناجح (تركيا 2005): حذفت تركيا 6 أصفار من عملتها (المليون ليرة أصبحت ليرة واحدة). نجحت العملية لأنها تزامنت مع إصلاحات اقتصادية ضخمة، وانتعاش في السياحة والصناعة، فحافظت الليرة الجديدة على قوتها لسنوات طويلة.
-
النموذج الفاشل (زيمبابوي/فنزويلا): قاموا بحذف الأصفار عدة مرات (حذفوا أكثر من 10 أصفار!) لكن دون إصلاح الاقتصاد. النتيجة؟ عادت الأصفار وعاد التضخم بعد أشهر قليلة لأن المشكلة كانت في الإنتاج وليس في شكل العملة.
العامل المشترك للنجاح هو الاستقرار السياسي والإصلاحات الحقيقية، وليس مجرد تغيير شكل العملة.
أسئلة شائعة عن العملة السورية الجديدة (FAQ)
1- هل هذا يحل مشكلة التضخم والغلاء؟
لا. حذف الأصفار هو إجراء لا يغيّر الواقع الاقتصادي ما لم تُرافقه إصلاحات، التضخم والغلاء لا ينتهيان إلا بزيادة الإنتاج المحلي واستقرار سعر الصرف الحقيقي، وليس بتغيير شكل العملة.
2- هل ستنخفض الأسعار بعد حذف الأصفار؟
رقمياً، نعم ستنخفض (لأننا حذفنا الأصفار). لكن فعلياً (كقيمة شرائية) ستبقى الأسعار كما هي.
3- هل ستتأثر مدخراتي؟
كقيمة شرائية لا، لن تتأثر. المليون ليرة القديمة ستتحول إلى 10 آلاف جديدة، والـ 10 آلاف الجديدة ستشتري نفس كمية الذهب أو البضائع التي كانت تشتريها المليون القديمة. الخطر ليس في التبديل، بل في تقلبات السوق العادية.
4- أين سأستبدل عملتي القديمة بالجديدة؟ وهل هناك رسوم؟
الاستبدال يتم حصراً في المصارف العامة والخاصة والمراكز المعتمدة التي سيعلن عنها المصرف المركزي. وعادةً، هذه العملية تكون مجانية تماماً وبدون أي رسوم أو عمولات لأنها استبدال نقد بنقد مساوٍ له في القيمة.
5- هل سيقبل التجار العملة القديمة بجانب الجديدة؟
نعم، في الفترة الانتقالية التي تحددها الحكومة (90 يوم)، يكون التعامل بالعملتين مسموحاً قانونياً جنباً إلى جنب، حتى يتم سحب القديمة تدريجياً من السوق.
6- هل سيحدث ذعر أو فوضى في البنوك؟
قد يحدث ازدحام طبيعي في الأيام الأولى بسبب الفضول أو الخوف، لكن فترة 90 يوم انتقالية كافية لتجنب الزحام والبنوك عادة تضع خططاً لضمان توفر السيولة. الذعر يحدث فقط إذا صدّق الناس الشائعات؛ لذا الوعي هو الحماية الأفضل.
7- هل ستبقى الأسعار مستقرة خلال فترة الانتقال؟
هذا هو التحدي الأكبر. قد يحاول بعض التجار استغلال عدم فهم الناس للأرقام الجديدة لرفع الأسعار قليلاً، أو تدوير الكسور لصالحهم. هنا يأتي دور وعي المستهلك والرقابة التموينية الصارمة لمنع هذا الاستغلال.
8- متى يتوقع حدوث تحسن اقتصادي ملموس؟
التحسن الاقتصادي لا يرتبط بتغيير العملة بحد ذاته. سنشهد تحسناً عندما نرى المصانع تعمل بطاقتها القصوى، الصادرات تزداد، والاستثمارات الأجنبية تعود. العملة الجديدة هي مجرد أداة تنظيمية لتمهيد الطريق لهذه الإصلاحات وليست العصا السحرية.
9- كيف تقارن تجربة سوريا بتجارب دول أخرى؟
التجربة تعتمد على المرافقة الاقتصادية، تركيا نجحت في 2005 لأنها رافقت حذف الأصفار بإصلاحات اقتصادية حقيقية. بينما فنزويلا فشلت لأنها غيرت العملة دون إصلاح الاقتصاد، فعادت الأصفار. نجاح التجربة السورية مرهون بالخطوات الاقتصادية اللاحقة لعملية التبديل.
في النهاية
عملية حذف الأصفار هي خطوة تنظيمية ممتازة وضرورية لإنهاء التشوه النقدي الذي عشناه لسنوات، هي بمثابة تنظيف الطاولة لبدء العمل.
ولكن، لكي تحافظ الـ 50 ليرة الجديدة على هيبتها ولا تعود لتفقد قيمتها، يجب أن يترافق هذا الإجراء مع عجلة إنتاج حقيقية، تصدير، واستقرار سياسي واقتصادي.
العملة السورية الجديدة هي بداية صفحة جديدة، والأمل أن تكون بداية لاستقرار حقيقي يعيد الثقة للمدخرين وللاقتصاد الوطني.
Blog Kazawallet